هي المرة الأولى التي تكون ضجة المنافسة في معسكر الأغلبية أكبر من الصراع مع الخصوم في المعارضة، لقد خلقت ترشيحات الحزب حراكا عنيفا سياسيا غير منضبط داخل صفوف حزب الانصاف مما فتح الأبواب على كل السيناريوهات واربك المشهد الحزبي الانصافي.
حتى الان يمكن حصر النتائج السياسية لهذه الأزمة في تزايد ظاهرة المغاضبات السياسية وخروجها للعلن الذي وصل حد التحدي. والملفت للإنباه أن كل هذه المغاضبات ظلت في ذات الحزب وظل الإجماع على تأييد فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني و السير ضمن برنامج تعهداتي هو الناظم السياسي الوحيد ، حتى مظلة الأغلبية تهشمت بفعل ردات الفعل العنيفة من قادة المشهد الحزبي، وهو ما زاد مشهد الأغلبية تأزما و تشرذما، فألغب قادة الحزب ورموز تنسيقياته لا يعترفون بالأغلبية الرئاسية بل ويحذرون منها على اعتبار انها لا تختلف عن المعارضة وان لا خيار غير دعم خيارات الحزب ولا شيء غير ذلك مقبولا في المرحلة الحالية .
ظلت هناك أصوات حزبية وازنة تنأى بنفسها عن هذا الصراع لكن ضعف التأثير وعدم تبوء مناصب تنفيذية مأثرة في الحزب أضعف تأثيرها، لتخرج لنا المحصلة النهائية للترشيحات الحزبية لانتخابات 2023 على الصورة التي أصبحت حديث وتندر القاصي والداني.
هذا المشهد الحزبي الفريد يمكن تحليل نتائجه السياسية دون أن نحدد من يقف وراءه من خلال النقاط التالية:
أولا: قاعدة حزب الإنصاف تتميز بوعي متقدم على النخبة التي تقودها وهذا قد يشكل أول صمام أمان ضد الردة الحزبية مما يطمئن على أن النتائج العامة لهذه الانتخابات لن تخرج الأغلبية البرلمانية من يد حزب الإنصاف.
ثانيا: أن كل الفاعلين السياسيين ضمن صفوف الموالاة يفرقون بين الخيار (الحزبي) الذي خذل بعضهم وبين دعم الرئيس ولد الشيخ الغزواني الذي ينظر اليه بأنه رأس النظام بحزبه وحكومته وبرلمانه وهذا هو صمام الأمان الثاني ضد الردة الحزبية ما بعد الانتخابات، لذلك مهما بلغ تشتت المكون الداعم للرئيس سيكون هناك عامل توافقي هو تعهدات الرئيس وخيارات برنامجه الرئاسي.
ثالثا: كفر بعض الفاعلين الحزبيين الوازنين بخيارات الحزب بل امتلاك الجرأة للمجاهرة بالمعارضة والرفض المفضي الى مغادرة الحزب برمته والترشح من أحزاب أخرى في تحد واضح لإرادة الحزب ووجوده إن لم نقل النظام في بعض مكوناته الذي حاول الإيحاء بأن تلك القرارات الحزبية هي خيار النظام الوحيد والوحيد فقط وأن الخروج عنها حتى الى الأغلبية الداعمة للرئيس هو معارضة صريحة لا تختلف عن أي معارضة أخرى.
رابعا: حزب واحد بعدة رؤوس وهذا ما أربك المشهد الذي ظل في تقلب مستمر بين أسماء المرشحين حتى انتزعت صافرة الدقيقة الأخيرة من المهلة القانونية تلك اللوائح المرتبكة مثلا حالة نواذيبو كمثال صارخ وغيرها كثير، إن ارتعاش اليد الحزبية وترددها وهي تخرج اسم المرشح للاستحقاقات الانتخابية مرده الى الشركاء المتشاكسون في قرار الاختيار وتضارب توجهاتهم وانعدام معايير حزبية شفافة تكون الفيصل في الاختيار عند الاختلاف.
خامسا: عدم امتلاك الحزب بنية إدارية قوية تنساب من خلالها القرارات، لقد لاحظنا منذ البداية أن لا تراتبية في الحزب فهو عبارة عن مجموعات منعزلة تملك كل منها نفس أدوات السلطة، كما أن البنية الإدارية للحزب غير محصنة ضد تغول السلطة التنفيذية وهذا اربك المشهد وشتت ولاء القاعدة الحزبية مما انعكس بوضوح على تفاعل هذه القاعدة مع قرارات هذا الطرف أو ذاك لنشهد في الأخير تقاسما (حميدا) للنفوذ و القرار لكنه وإن نجح في جمع شخصيات ديناميكية فعالة و مبادرة تحت مظلة الحزب إلا أنه فشل في تكوين فريق عمل يواجه الاستحقاقات برؤية موحدة وخريطة طريق واضحة.
إن هذه الملاحظات توضح لنا بجلاء ملامح الحصيلة الانتخابية لحزب الإنصاف هذه الحصيلة سوف تقل قليلا في مجملها عما كنا نشده في الانتخابات السابقة لكن لن يفقد الحزب اغلبيته المريحة، لكن ستجلب هذه الانتخابات شخصيات وازنة تحت قبة البرلمان تحسب ضمن صفوف الأغلبية وهو ما سيشكل ظاهرة سياسية جديدة تتمثل في نقل الصراع الانتخابي الذي جرى بمرارة بين صفوف الحزبيين الإنصافيين نقله الى قبة البرلمان في صور قد لا تكون معيقة لسياسة الحكومة لكن ليس هناك ضامن من أن تستغل من طرف المعارضة لإظهار مشاكسات محرجة للحكومة في ظل سنة استحقاقات رئاسية حساسة.
هذا طبعا إذا استبعدنا السيناريو الأسوأ وهو محاولة القصاص من الحزب و النظام الذي يمثله وهو ما سيوتر المشهد القابل للتوتر في ظل دخول الكثير من الأوجه المشاكسة للبرلمان، تظل الضمانة الأساسية للخروج من هذه المآزق و السيناريوهات السيئة هي تقوية البنية البرلمانية من خلال رئاسة البرلمان و هيئاته التنفيذية، إذ على الحزب عندما يحصل على أغلبية المقاعد أن يغير من استراتيجيته التي خاض بها رهان الانتخابات من خلال ترشيح شخصية وازنة ذات مصداقية لا تحمل شحنة متناقضات او ماض سياسي استفزازي تحظى بإجماع وطني وخاصة بدعم مؤسسات النظام الضامنة لاستقراره، عندما يتم هذا الاختيار يتم الانتقال الى بناء أفق سياسي جديد وهذه المرة عنوانه الاستحقاقات الرئاسية وهذا سيكون موضوع مقالنا المقبل بإذن الله.
د. سليمان الشيخ حمدي