خصصت المحكمة المختصة في جرائم الفساد جلستها يوم أمس للاستماع إلى المدير العام السابق للشركة الوطنية للكهرباء "صوملك" محمد سالم ولد إبراهيم فال الملقب "المرخي"، ومواجهته بالتهم الموجهة إليه، وإتاحة الفرصة له للرد عليها.
وبدأت الجلسة في حدود الساعة العاشرة من صباح اليوم الاثنين، وافتتح رئيس المحكمة القاضي عمار محمد الأمين الجلسة معلنا باستدعاء المتهم السادس في الملف محمد سالم إبراهيم فال، وبعد أخذه جلسته على الكرسي أمام القاضي بدأ في قراءة التهم الموجهة إليه، قبل أن يقول، سبق وأن رفضتم هذه التهم، هل ما زلتم تؤكدون رفضها.
ولد إبراهيم فال: نعم، أؤكد رفضها، لكن بودي السيد الرئيس أن أتحدث لكم قليلا قبل الأسئلة عن وضعية الشركة الوطنية للكهرباء "صوملك".
رئيس المحكمة: سأعطيك الفرصة، لكن قبل ذلك أحتاج أن أعرف الفترة التي قضيتها مديرا عاما للشركة، وكذا الفترة التي قضيتها مديرا مساعدا لها؟
ولد إبراهيم فال: عملت مديرا مساعدا للشركة من 2009 إلى 2015، وخلال هذه الفترة تعاقب على الشركة ثلاثة مدرين عامين.
رئيس المحكمة: منهم؟
ولد إبراهيم فال: محمد سالم ولد البشير (2009 – 2013)، ومحمد ولد بلال أقل من سنة، وأحمد سالم ولد العربي (2014 – 2015)، ومن مارس 2015 حتى أكتوبر 2019 عينت مديرا عاما للشركة، إذا الفترة كلها عشر سنوات، بين مدير عام، ومدير مساعد.
رئيس المحكمة: تفضل بتوضيحك؟
ولد إبراهيم فال: الشركة الوطنية للكهرباء "صوملك" شركة عمومية مملوكة للدولة بنسبة 100%، ولديها استقلالية مالية في التسيير من خلال مجلس الإدارة، ولديها وصايتان مالية وفنية، مالية لوزارة المالية، وفنية لوزارة الطاقة والمعادن.
تخصص هذه الشركة محدد بالقانون المنشئ لها في انتاج ونقل وتوزيع وتسويق الكهرباء، الشركة مرتبطة مع الدولة الموريتانية ببرنامج تعاقدي رقم: 089 بتاريخ: 11 – 6 – 1989، وتم تجديده يوم 25 يونيو 2001.
وفي 22 – 10 – 2010 تمت استشارة إدارة التشريع، وأجابت في فبراير 2011 لشركة صوملك أن تحافظ على خصوصيتها بعد المصادقة على قانون جديد للصفقات العمومية.
لدى شركة "صوملك" لجنتان للصفقات، وتتولى الإنارة العامة للدولة، وبخصوص الإنارة العامة، كانت موريتانيا بصدد خصخصة شركة "صوملك" بعد فصلها عن شركة المياه، واستثنت الدولة ملكية الإنارة العمومية من ممتلكات "صوملك".
وتتقاضى صوملك 0.8 أوقية قديمة على استهلاك كل كيلوات، وتتم فوترته على المستهلك مباشرة، وتخصص هذه المبالغ لصيانة الإنارة العمومية.
أما اللجنتان، فهما لجنة صفقات الاستثمار، وهي لجنة خارجية يترأسها المدير العام للشركة، وبعضوية ممثلين عن وزارات الاقتصاد، والتجارة، والطاقة، والبنك المركزي، وتتولى الصفقات الخاضعة لقانون مدونة الصفقات العمومية.
تبدأ هذه المسطرة بالبحث عن ممول، ثم مكتب خبرة لوضع ملف المناقصة، ثم منح المناقصة بشفافية.
هذه الصفقات لا علاقة لنا بها، الآمر بالصرف فيها، مدير الكهرباء أو مدير المالية في وزارة الطاقة.
اللجنة الثانية هي لجنة التشغيل، وهي لجنة جميع صفقاتها تخضع لنظام خاص مختلف عن لجان الصفقات العمومية، وفق الاستثناء الذي حددته إدارة التشريع.
هذه اللجنة تشرف على الشبكات والحاجيات اليومية المتعلقة بانقطاع الكهرباء أو المستجدات الطارئة.
وختاما، ألفت الانتباه إلى أننا بهذه الطريقة نفذنا حوالي 20 صفقة، وأوجدنا 53 شبكة، وتحولت الديون على الشركة من أكثر من 30 مليار سنة 2009 عند وصولي لها، وخسارة 3 مليارات سنة 2010 إلى شركة من دون خسارة، والدولة لا تقدم لها أي دعم.
من 2015 إلى 2019 كانت مبيعاتنا الشهرية 5 مليارات أوقية، مليار منها من المبيعات للسنغال ومالي.
أنبه أيضا، إلى أننا نخضع لرقابة سبع هيئات لا بد من مصادقتها، وهي الرقابة الداخلية للشركة، ومفوض حسابات تعينه وزارة المالية كل ثلاث سنوات، والمفتشية العامة للدولة، والمفتشية العامة للمالية، ومحكمة الحسابات، فضلا عن تفتيش خارجي يفرضه الممولون، وآخر أسئلة تصلني، أجبت عليها في مارس 2021 بعد مغادرتي للشركة في تقريرين أحدهما لمحكمة الحسابات، والآخر للمفتشية العامة للدولة.
مردودية هذه المشاريع واضحة، والهيئات الرقابية لم تلاحظ عليها أي ملاحظة طيلة هذه الفترة، حين وصلنا 2009
رئيس المحكمة: (مقاطعا) من تقصد بوصلنا؟
ولد إبراهيم فال: أقصد وصولي شخصيا، حين وصلت للعمل في الشركة 2009، كانت العاصمة نواكشوط بها محطة واحدة للطاقة في عرفات طاقتها المفترضة 42 ميغاوات، أما الواقعية فلا تتجاوز 25 ميغاوات.
هذه 20 صفقة، تم فيها إنجاز 13 محطة شمسية، ومحطتين هوائيتين، تكلفة الكيلوات بالهواء 16 أوقية، وبالطاقة الشمسية 20 أوقية والطاقة الهديرومائية 22 أوقية.
مكنتنا هذه الصفقات من خفض كبير في تكلفة الإنتاج، وهو ما مكننا من ضبط الوضعية المالية للشركة، كما تمكنا من بناء ثلاث عمارات في نواكشوط، واشترينا 12 صهريجا لتوفير 30 طنا من المحروقات يوميا تحتاجها محطة نواكشوط الشمالية.
أنجزنا شبكات جهد عال ومتوسط لنقل الكهرباء، واستغنينا عن محطات، ألاك، ومكطع لحجار، وبوتلميت، بعد ربطهم بشبكة مانناتالي، كما ربطنا النعمة وتمبدغه، وعدل بكرو، وربطنا ألاك ببوكي ومناطق الضفة.
وبخصوص الأسئلة عن صفقتي الشركة الصينية "جوني سولار" 2013 و2016 المتعلقة بالإنارة العمومية، أعاد ولد إبراهيم فال قراءة نفس المراسلات التي تمت بين الطالب ولد عبدي فال ومحمد سالم ولد البشير.
وقال إنه أيام كان مديرا لشركة "صوملك" خلال إبرام صفقة إنارة طريق المطار مع شركة "جوني سولار" الصينية، حضر ممثل هذه الشركة شيخنا ولد امصبوع - وذكر رقم هاته ولوح بالمحضر بيده – مؤكدا أنه خلال فترته في شركة صوملك مرت عليه ثلاث صفقات تم التعاطي معها بطريقة غير معهودة، أولها صفقة الإنارة العمومية مع "جوني سولار" وما صاحبها من تسهيلات تمثلت في تقديم السلفة من دون ضمان، وتغيير مجلس الوزراء للمرسوم المنظم للصفقات، لتتمكن الشركة المستفيدة من هذه السلفة.
والثاني يتعلق بالمحلق المتعلق بنقل الكهرباء من المحطة الشمالية إلى محطة "الورف" نحو 21 كلم، مع شركة "وورد سلا"، مشيرا إلى أنه رفض هذا المحلق لأنه يتجاوز 30% من قيمة الصفقة الأصلية وهو السقف الذي حدده قانون الصفقات.
وأوضح ولد إبراهيم فال أن الممول وافق على منح الملحق بالتراضي "لوورد سلا"، رغم أن قيمته تمثل 40% من قيمة الصفقة، وذلك بعد أن زار وفد مشترك من موريتانيا والسنغال، الممول السعودي في الرياض وأقنعوه بضرورة هذا المحلق الذي ساهم بتصدير الكهرباء للسنغال، مذكرا بأنه من غير المعهود أن يتم محلق بهذا الحجم، وبالتراضي، ومع نفس الشركة.
أما الصفقة الثالثة، يقول ولد إبراهيم فال - فهي أنه كان في وضعية تقاض مع مجموعة شركات من ضمنها "كاتر بيلار"، وأثناء متابعته تفاصيل التقاضي والاتصال بالمحامين وصلته رسالة في 10 فبراير 2017 من الوزارة تأمره بالتفاوض مع "كاتر بيلار"، وتنفيذ صفقة معها، وترفق له نص اتفاق حصل بين الشركة والوزارة من دون علم الشركة، بتاريخ 7 فبراير، أي ثلاثة أيام قبل رسالة الوزير.
واعتبر ولد إبراهيم فال أن المشترك بين هذه الصفقات الثلاثة أنها غير معهودة في المسارات التي أخذتها، لكنها طبيعية من حيث الإجراءات القانونية.
كما دافع ولد إبراهيم خلال حديثه أمام المحكمة اليوم عن صفقة أخرى، تتعلق بشراء مولدات كهربائية لمحطة نواذيبو، حيث أكد أن مدينة نواذيبو كانت بها أربع مولدات، طاقة كل منها 5.5 ميغاوات، ودخلت هذه المولدات الخدمة 1978، وفي 2011 تم تعزيزهم بمولدين جديدين، طاقة كل واحد منهما 11 ميغاوات، وبعد 40 سنة من عمر هذه المولدات اتخذت الشركة قرارا بنقل مولدات بطاقة 12 ميغاوات من محطة الوفر في نواكشوط، إلى نواذيبو، وأعلنت عن مناقصة لذلك، وكانت تكلفة النقل 11 مليون دولار، وبناء على ذلك تم إلغاء المناقصة، وتقرر شراء مولدين جديدين طاقة كل منهما 5.5 ميغوات من "كاتر بيلار" وبنفس تسعيرة النقل تقريبا، وتمت هذه الصفقة – فعلا – عبر صيغة التراضي.
وقد استشكل رئيس المحكمة ولد محمد الأمين العديد من القضايا، وأعاد طرحها على ولد إبراهيم فال، ومنها "تحويل مبلغ بقيمة 79 مليون أوقية من قيمة صفقة إنارة طريق نواذيبو 2016 لحساب شخص مدير شركة جوني سولار وليس لحساب الشركة".
وكان رد ولد إبراهيم فال أن المدير المالي للشركة صرح بهذا عند الشرطة، مردفا أنها كانت المرة الأولى التي يصل فيها هذه الأمر إلى علمه عنده سألته الشرطة عنه، وقالت إن المدير المالي قال إنني أمرته بذلك شفيها، وأنني كنت سأقيله لو رفض، وأنا لا علم لي بهذا.
رئيس المحكمة: لو علمت بالأمر وأنت ما زلت مديرا للشركة، ماذا كنت ستفعل؟
ولد إبراهيم فال: كنت سأقيله، وأعيد المبلغ للشركة، لم يحصل لي أي علم بهذا الموضوع إطلاقا.
رئيس المحكمة: هناك أيضا تسبيق بقيمة 80% من الصفقة 2016، ما هي تفاصيله؟
ولد إبراهيم فال: هذا معهود في التجارة الدولية، المشترى يريد البضاعة حتى يسدد، والبائع يريد المبلغ المالي قبل إرسال البضاعة، وهناك طريقتان لحل هذا الإشكال، أحدهما البنوك، فالبنك الذي تتعامل معه شركة "صوملك" هنا يخاطب البنك الذي تتعامل معه الشركة الصينية في الصين، ويأمره بالتسديد حال شحن البضاعة، وهذه الطريقة تكلف - عادة – نسبة 2.5% من قيمة الصفقة.
الطريقة الثانية؛ وهي التي اعتمدناها، هي التسديد مقابل السندات، ومن خلالها يشحن الزبون البضاعة ويرسل لنا وثائق الشحن ونسدد له، ولا تسمى تسبيقا لأن لدينا والوثائق الأصلية لملكية البضائع الموجودة على السفينة.
اشتباك مع النيابة
وعرفت الجلسة أقوى اشتباك خلال الجلسات الأخيرة، وذلك عقب انتقال وكيل الجمهورية القاضي أحمد عبد الله المصطفى من الأسئلة عن الخروقات المسجلة في الصفقات إلى ما قالها إنها أسئلة ذات طبيعة مالية.
ومهد ولد عبد الله لأسئلته بقوله: أنتم متهمون بالإثراء بلاد سبب، ويخدمكم ويخدم المحكمة أن تجيبوا على أسئلة قد تكون ذات طابع شخصي، لكن القانون يلزم المتهم بهذه التهمة بتبرير ممتلكاته، فهل لك أن تحدثنا عن ممتلكاتك؟
ولد إبراهيم فال: أنا أعمل منذ 1986 في قطاع البنوك وأمارس التجارة، ووصلت إلى إدارة شركة "صوملك"، ولدي منزل في تفرغ زينة، وأملك عدة سيارات.
خلال الفترة من 1986 إلى 2009 كنت أمارس التجارة مع أقاربي وأصدقائي، وتحصلت على ممتلكات، وبعد تولي إدارة شركة "صوملك"، تولت زوجتي نشاطي التجاري وحققنا أرباحا مهمة ومفيدة.
وكيل الجمهورية: هل يمكن أن تخبر المحكمة براتبكم أيام كنت في المصرف؟
ولد إبراهيم فال: 200 ألف أوقية.
وكيل الجمهورية: وخلال عملكم مديرا، ومديرا مساعدا لشركة "صوملك" كم كنت تتقاضى؟
ولد إبراهيم فال: المدير والمدير المساعد يتقاضون نفس الراتب، بعد العلاوات يصل إلى مليون و600 ألف أوقية شهريا.
وكيل الجمهورية: ماذا عن حساباتك في البنك؟
ولد إبراهيم فال: لدي حسابان؛ أحدهما في بنك "سوسيته جنرال".
وكيل الجمهورية: كم هو رصيد هذا الحساب؟
ولد إبراهيم فال: 300 مليون أوقية قديمة
وكيل الجمهورية: هل لك أن تحدث المحكمة عن مصدر هذه المبالغ؟
ولد إبراهيم فال: من خلال عملنا التجاري، حيث كنا نبيع العقارات، ونتحين الفرص المربحة.
وكيل الجمهورية: يخدمك ويخدم المحكمة أن تحدد لها بدقة هذه العمليات؟
ولد إبراهيم فال: كنا نبيع الأراضي والسيارات.
وكيل الجمهورية: هل لديك وثائق عن عمليات البيع هذه؟
ولد إبراهيم فال: السيارات تباع من دون وثائق.
وكيل الجمهورية: اشتريتم سوقا بعد مغادرتكم للشركة بمبلغ 500 مليون أوقية قديمة، هل يمكن أن تحدثنا عن مصدر هذه المبلغ؟
وهنا حدثت ضجة بعد اعتراض المحاميات المختار ولد اعل، ومحمدن ولد إشدو، حيث سمح رئيس المحكمة لولد اعل – وهو محامي ولد إبراهيم فال – بالحديث، ليبدي اعتراضه على هذه الأسئلة، فيما اعترض وكيل الجمهورية على مقاطعتهم له لتتواصل الضجة داخل القاعة.
وعاد وكيل الجمهورية ليواصل أسئلته لولد إبراهيم فال، حيث سأله قائلا: العقار المحجوز باسمكم لدى مكتب المحجوزات إيجاره الشهري 3 ملايين، هل يمكم أن تفسر لنا مصدر هذه الثروة من موظف عمومي، رواتبه هي ما ذكرتم سابقا؟
ولد إبراهيم فال: أستغرب جدا هذه الضجة، فخلال 2020 شاهدت في إحدى القنوات الخاصة سيناتورا سابقا [يشير إلى محمد ولد غده] لم ألتقه من قبل ولا من بعد، يعدد ممتلكاتي، ويظهر صورا من منازلي، وقد تضرر أفراد عائلتي وأطفالي من ذلك، كما طلب مني بعض الأصدقاء رفع دعوى ضده، لكنني قلت لهم أنا الآن في ملف وحين يكتمل التقاضي فيه، سأبحث الأمر، وذلك حتى لا يقال الآن إن هناك ما أخفيه.
ليس لدي ما أخفيه، والشاهد الذي مثل أمام المحكمة انجاي، من عائلتي وما رواه لكم عن شراء قطعة أرضية لزوجتي من مزاد منطقة نوايبو الحرة دقيق، وأنا لم أخفه، رغم أن القطعة ما زالت على اسمه.
وهنا أكمل وكيل الجمهورية أسئلته، وعاد رئيس المحكمة ليسأل: هل صرحت بممتلكاتك؟ وهل يطالك قانون الشفافية العمومية الذي يلزم بالتصريح بالممتلكات؟
ولد إبراهيم فال: لم أصرح بممتلكاتي، ولم يطلب مني ذلك، وعندما سألتني الشرطة أعطيتهم تفاصيل بجميع ممتلكاتي.
رئيس المحكمة: رفعت الجلسة